#..فكرة موؤدة ..#



#.. فكـرة مـوؤودة ..#

يا قرآء ..
أحذركم من قرآءة قصتي ، فهي فعلاً دعوة رسمية إلى عالم المجنونة أنا!
قد تندمون ولا أحبذ أن أكون سبب ندمٍ لأحد "يكفيني ماعندي"!
في البداية .. أنا مجنونة .. فسروها على مزاجكم
لكني مجنونة .. أقولها و أنا بكامل قواي العقلية!
لا أدري كيف أبدأ .. أو بالأصح من أين أبدأ؟
سأستطرد, سأسترسل و سأرتجل الكلام ، لذا اعذروا بعثرتي و بكائي أيضاً!
يا كرام ..
تشبثوا بأي شيء يمكن أن يحميكم مني ، استعدوا للتحليق في عالمٍ مجنون ..
أتمنى لكم رحلة سعيدة خالية من الـمطبات!
-------
أنا عبير .. مجرد عبير كأي عبير!
قد يبدو مظهري "سطحي" ، لكنني عميقة المنبع ، صاخبة ، مرحة ، حتماً لست عفوية.
لدي الكثير من الصديقات .. أو زميلات إن صح التعبير
لا تدعوا أفكاركم الماكرة تحكم علي .. الصداقة بمعنى الصداقة أجدها عملية مرهقة !!
لا أخفيكم سراً أنني أتمنى أن تكون لي صديقة بقدر جنوني أو أكثر
مما يمكننا التواصل بطريقة أسهل ..
لم أجد تلك الصديقة بعد!! لذا أنا لدي زميلات فقط!!
عائلتي .. و ما أدراكم ما عائلتي …
عائلتي هم عالم بحد ذاته .. عالم منفصل تماماً عني و عن العالم الحقيقي الطبيعي
غرباء جداً ، محبو الضجيج
وإن لم يكونوا سبب الضجيج ، يحبون مصدره!
مدمنو القهوة و الشاي بكافة أنواعهما و صورهما و تسمياتهما
قليلو النوم .. ولا أعرف لمَ!
أعرف ما تظنون ، لا … الجواب هو لا
لا لتلك المنبهات دخل في قلة نومهم .. هم كالخفافيش!
يرون أن النوم مضيعة للوقت!!
على الرغم من الانفتاح الذي يسمحون به ، إلا أنهم مقيدون بقيود العُرف مما يجعلني مقيدة جداً
أنا بالنسبة لهم الإبنة التي لاتخيب ظنهم ، متفوقة في دراستي ، لم أخن ثقتهم ، أتبع أوامرهم بالحرف الواحد و دونما اختلاف
أنا روتين أكرهه لكنهم أحبوه كثيراً
وكأن خطواتي مدروسة .. أمقتُّ ذلك كثيراً
أن يعلم الناس ما سـ أفعل و ما لن أفعل أمر يثير الإشمئزاز في نفسي ، ناهيكم عن ظنّهم المتواصل بأنني مثال الفتاة العصرية المحترمة ، الخلوقة …الخ
بالمختصر .. كرهت نفسي ، حياتي مملة
جامعة ، وظيفة ، أخت طيبة ، ابنة مطيعة ، صديقة مرحة
ملل يتبعه ملل أكثر ..!!
أعلم بأنني ثرثرت كثيرا ً عن نفسي
اعذروني .. فقد اخترتم قرآءتي لـذا تحملوا عواقب قراراتكم !
****
في يوم عابر .. ليس بمميز أو معلوم التاريخ
خطرت ببالي فكرة جنونية
جنونية : هنا تشمل كل ما قد يخطر ببالكم
دعوا خيالكم يخصب في تلك الكلمة وأعطوها حقها من الظنون
الفكرة هي أن أخرج من بؤرة الروتين الذي أعيشه
أن أغامر للمرة الأولى في حياتي المسجلّة و أزور باريس الحب
باريس تلك المدينة التي تضج غرفتي بـ صور منها
أحب باريس من هنا (بلدي) أما حان لي أن أقابل هذا الحب..؟!
ثم وبكل عفوية .. طردت تلك الفكرة من رأسي .. خوفاً من ردة فعل أهلـي
خوفاً من هدم المثالية المقترنة بـي
إن قلت بأنني نسيت تلك الفكرة .. فاعلموا بأني كاذبة !!
لم أستطع أن لا أفكر بها ..
باريس ، ايفل ، اللوفر ، شانزاليزيه .. ويزداد شغفي بالسفر أكثر و أكثر
لكن بحكم العادات والتقاليد و القوانين الصارمة التي تتبعها عائلتي عن سفر الأنثى
تلك الفكرة مستحيلة!
مضت بي الشهور .. وباريس وكل ما يرتبط بها يأتيني ليلاً
باتت أحلامي .. باريس
كل ما أراه .. هو باريس .. أو جزء منها
أما لحظة الانفجار فـكانت بيد زميلة لي في العمل
فـكانت تثرثر لنا عن رحلتها إلى باريس في شهر العسل
ذكرت برج ايفل ومشهد باريس من فوق هذا البرج ليلاً
و الليالي الشاعرية على ضفاف نهر السين الحالم
ثم ثرثرت عن قوس النصر والتذكارات التي اشترتها
لم أقوَ على تحمل تلك الثرثرة المستفزة ، فـ صرختُ في وجهها "اسكتي!!" ، ثم خرجت من الغرفة.
لا أعلم كيف تجرأت أن أصرخ و حتماً لن أنسى وجهها و وجه الآخرون حينها!
فكان هذا موقف محرج وجب عليّ التعامل معه في العمل ..!
كرهت غضبي المفاجئ .. لم أفهمه
فلا أساس للغضب ..!
كان هذا الانفجار نداء يقظة عن عمق تغلغل فكرة باريس في نفسي
" لابد من السفر .." هكذا فكرت ..
انتصر الشيطان عليّ في يومٍ غابر .. وقررت فعلاً أن أحقق الحلم
ما أسوء شيء يمكن أن يحصل لي ..؟
سيغضبون مني .. و يعاقبونني كـ طفلة شهوراً
ثم ينسون ..
هكذا فكرت .. و هكذا سُقتُ أفكاري المجنونة بالسفر
حينها كل شيء بات سهلاً و معقولاً و قيد التحمل!
تذكرة السفر و حجوزات الفندق أحصلها بكبسة زر من الحاسوب .. سآخذ جواز سفري من والدتي وأدّعي أن العمل طلبوه منّي بـذلك أحصل على التأشيرة
بكل بساطة .. طبقت تلك الخطة .. و نجحت!
كتبت رسالة لأمي بأنني سافرت إلى باريس لزيارة تلك المدينة التي تعلم مدى عشقي لها
شرحت لها الأسباب و أنني لن أفعل شيئاً قد يجلب العار لعائلتي أو لنفسي
مجرد زيارة بريئة و أرجع .. ويعود كل شيء كما كان -الروتين-
قلت فيها أنني سأقضي أسبوعاً كاملاً … وإن سأل عني أحد من أقربائنا
نصحتها بأن تقول عبير ذهبت إلى زيارة ميدانية بغرض العمل و توجب عليها الموكوث هناك لمدة أسبوع
تخيلت أن تتصل بي أمي وتعاتبني ثم أقنعها بأن كل شيء على مايرام ..
وأني سألتقط الكثير من الصور و أتي بالكثير من التذكارات كدليل على زيارتي لكل تلك الأماكن ..
تركت الرسالة في الغرفة لتىاها أمي فيما بعد .. بعد مغادرتي أرض الوطن.
لم أنم تلك الليلة فـاختلطت بي مشاعر الإثارة ، الخوف ، الذنب
لكن سرعان ما أرى تذكرة السفر و تبقى مشاعر الإثارة معشعشة فوق رأسي

يا كرام .. أرجوكم لا تضحكوا .. ولا تسخروا مني ..!
فمـا عسى فتاة مثلي .. أن تفعل أكثر من السفر
هذا التمرد الجنوني الفائق للجرأة ، هو الأعظم في حياتي الروتينية ..!
لا أخفيكم حزني الكبير على هذه الفعلة ، تمنيت أن أسافر مع عائلتي
لكن الظروف حالت دون ذلك
هم لا يحبون السفر .. و لا يعرفون معنى المتعة في أي شيء ..!!!
و أنا كرهت الروتين و أردت أن أرى شيئاً مختلفاً عن محيطي الممل
ولا شيء مخلٌّ للآداب .. مجرد زيارة بريئة .. اعتبروها رحلة علم
نعم .. فأنني أهوى تعلم كل شيء يتعلق بـ باريس ، فقط .. لا أكثر..!
أهذا كثيرٌ عليّ ..؟!
وصلت باريس .. بعد ثماني ساعات شاقة !
توقفت للحظة و أغلقت عيني ..
تأملت أذناي أصوات باريس .. و أدخلت أكبر قدر من أكسجين باريس رئتاي
لتنعم أحشائي بـ باريس !
محطتي الأولى برج ايفل
رمز باريس العريق و ملهم الكتاب و العشاق و عبير ..
بعد أن صعدت لأعلـى البرج .. ناسية خوفي الأزلي من المرتفعات
أخذت تذكرة الباص المكشوف ..لـ يأخذني في جولة حول شوارع باريس ، مروراً بأهم المعالم التاريخية والسياحيّة ..
وسط مشاعر الفرح و الحماسة لم أستطع أن لا أفكر بأهلي
مضى يومان على غيابي ، ولم تصلنِ أية رسالة أو اتصال على هاتفي المحمول
أيعقل أن تكون والدتي بهذه الدرجة من التفهم..؟
لم تسعفنِ جُرأتي في الاتصال لذا أرسلت رسالة نصية لوالدتي شرحت فيها
أنني بخير و أن باريس في غاية الروعة و أنني أقطن في فندقٍ راقٍ وفي حي مرموق
وأن كلها أيام و سأعود بإذن الله !
ترددتُ كثيراً قبل ضغط زر الإرسال.
مرت بي سيناريوهات عديدة بـ ردة فعل والدتي لهذه الرسالة و السفرة أيضاً ، لكن أرسلت الرسالة
لم تجب ، أخافني ذلك
لكن شيئاً في نفسي جعلني أطرد تلك الفكرة ، فـ دفنتُها في أظلم بقعة في رأسي ..
بعد اللوفر و نوتردام و قصر الباستيل .. اتخذت من الشانزاليزيه محطتي الأخيرة
أردت أن تكون زيارتي هذه … الدائمة في ذاكرتي
كنت الساعة السادسة مساءً .. و أضواء مدينة باريس تبث في نفسي سعادة ً لم أحس بها من قبل
استمتعت بالمشي على شارع الشانزاليزيه الشاعري كثيراً وتسوقت أكثر من أي وقت مضى..
بعد تلك الإجازة القصيرة التي تمنيتها أن تطول .. حان موعد عودتي
سآتي المرة القادمة مع عائلتي إن شاء الله
هكذا تمتمت شفتاي..
كانت أطول ثماني ساعات مرت في حياتي .. تسارعت نبضاتي كثيراً مع اقترابي من الوطن ..
توتر جسدي الذي عجزت إخفاؤه ، بات ينهش صبري
يارب مررها على خير
حطت الطائرة على أرض الوطن .. وقلبي كان مثقل بالخوف والرهبة
ماذا سـيحدث في هذا اللقاء .. ياترى
تخيلت كل ماهو سيء في الثواني البطيئة التي تفصل إعلان الهبوط و انتهائه
أحسست بلفحة ساخنة أحرقت أحشائي و تعرق جبيني منها ..
لم يكفيني الهواء داخل الطائرة .. كدت أختنق
هرعت نحو مخرج .. لأحاول و بكل بؤس أن أتنفس بانتظام
لاحظ عامل الأمن حالتي الميؤس منها .. أومأت برأسي بأنني بخير
غادرت المطار وفي نفسي بصيص أمل أن أعود هنا مع أهلي ..
وصلت منزلنا .. كان مظلما ً.. ظُلمة زادت رهبتي أكثر
وكأن هذا المنزل .. مهجور
طردت تلك الفكرة .. لما يهجروا منزلنا ؟!
ضغطت زر الجرس .. هدوء
ضغطت مرة أخرى .. سمعت خطا أحدهم و تسارعت نبضاتي مع كل خطوة
أنا ميتة .. سيقتلونني اليوم!
جاءت باريس وضواحيها كـ شريط ذكريات في رأسي .. وكم تعجبت لسخف تصرفي !
أعلم جيداً بأني سأقتل اليوم .. تشهدت كثيراً
***
أتريدون أن تعلموا ماذا حدث بعد ما دخلت المنزل ..؟
ما ظنكم سيحدث ..؟
لم أمت .. تركوا رأسي يشتنشق الهواء لأكون عبرة لكم .. أنتم يا قراء
تنقلت بين صرخات أمي و اعتداء أخواني ..
تألمت لألم نظرة أمي .. لم أشعر بألم في جسدي و كأنني قطعة جماد
في داخلي صرخة ألم و حرقة على حزن والدتي المسكنة .. لكنني صامتة
كنت صامتة .. لدرجة استفزت أخواني وتتابعت ضرباتهم .. هكذا لاحظت عيناي !
لم أر ضوء الشمس منذ ذلك اليوم .. !
هنا أقص لكم رحلة حماقة و ذنبٌ ثقيل أحمله معي إلى القبر
وجنون لحظة فيها كسبت باريس وخسرت حياتي بأكملها ..!
لـكم الآن أن تضحكوا .. وسأبكي أنا مجدداً ..!




تمـت
فـاطمة



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق